"نيويورك تايمز": نظرية ترامب لإنهاء حق الجنسية بالولادة تهدد مبدأ المواطنة
"نيويورك تايمز": نظرية ترامب لإنهاء حق الجنسية بالولادة تهدد مبدأ المواطنة
تسلط المحكمة العليا الأمريكية الضوء على نظرية كانت تعتبر هامشية في السابق، وهي المتعلقة بمنح الجنسية للأفراد الذين يولدون على أراضي الولايات المتحدة، فقبل وصول الرئيس ترامب إلى السلطة ساد إجماع واسع يعتبر التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي أساسًا راسخًا لمنح الجنسية بالولادة لجميع الأطفال المولودين داخل حدود البلاد.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، الأربعاء، بعد وقت قصير من إعلان المحكمة العليا في شهر أبريل أنها ستنظر في تجميد الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب لإنهاء حق الجنسية بالولادة على مستوى البلاد، عبّر ترامب عن سعادته للصحفيين في المكتب البيضاوي.
وأوضح ترامب أنه "سعيد للغاية" لأن القضاة سيتناولون قضية الجنسية، معتبرًا أنها "أُسيء فهمها"، وأضاف أن التعديل الرابع عشر، الذي طالما اعتُمد لمنح الجنسية لأي شخص يولد في الولايات المتحدة، يتعلق في الواقع بـ"العبودية".
وقال ترامب: "الأمر لا يتعلق بقدوم السياح ولمسهم قطعة رمل ثم فجأةً تُمنح الجنسية"، وأردف: "الأمر كله يتعلق بالعبودية".
تفسيرات قانونية تاريخية
اتفق غالبية الباحثين والمحاكم على مدى أكثر من قرن على أنه على الرغم من إضافة التعديل الرابع عشر إلى الدستور بعد الحرب الأهلية، فإنه لم يقتصر في حقيقته على قضية العبودية فحسب، بل قضت المحاكم بأن التعديل وسع نطاق المواطنة ليشمل ليس فقط أبناء العبيد السابقين، بل أيضًا الأطفال المولودين داخل حدود الولايات المتحدة.
وظهرت فكرة مفادها أن التعديل قد لا يشمل هؤلاء، واعتُبرت في السابق نظرية غير تقليدية، روّج لهذه الفكرة أستاذ قانون غير معروف نسبيًا من كاليفورنيا يُدعى جون إيستمان وزملاؤه في معهد كليرمونت، وهو مركز أبحاث محافظ.
وقدم هذا الأستاذ نفسه لاحقًا لترامب حججًا قانونية استخدمها لمحاولة قلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
وتروي قصة انتقال هذه النظرية من أطراف الأوساط الأكاديمية إلى المكتب البيضاوي، ثم إلى المحكمة العليا، نظرة معمقة حول كيفية ترويج ترامب لنظريات قانونية كانت تُعتبر في السابق غير منطقية لتبرير سياساته المتعلقة بالهجرة.
صعود نظرية هامشية
أوضح أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا، جون يو، وهو محامٍ بارز في إدارة جورج دبليو بوش، قائلاً: "لقد ظلوا يُصرّون على هذه الفكرة لعقود.. اعتُبرت فكرةً غريبةً لا يقبلها إلا فلاسفة السياسة، لكن أخيرًا، أصبح لديهم رئيسٌ يُوافق عليها"، لم يصدر تعليق من البيت الأبيض على طلبات الصحفيين.
وروّج الرئيس ترامب لهذه النظرية خلال حملته الانتخابية الأولى، لكنه لم يطبقها فعليًا حتى ولايته الثانية، حيث وقّع أمرًا تنفيذيًا في أول يومٍ له في منصبه يهدف إلى إنهاء منح الجنسية بالولادة لأطفال المهاجرين غير الشرعيين وبعض المقيمين الأجانب المؤقتين.
وسارعت الطعون القانونية بالظهور وكانت حاسمة، استند المعترضون إلى نصّ التعديل الرابع عشر للدستور، الذي ينصّ على أن "جميع الأشخاص المولودين أو المُتجنسين في الولايات المتحدة، والخاضعين لولايتها القضائية، هم مواطنون أمريكيون ومواطنو الولاية التي يقيمون فيها".
وأشار مؤيدو سياسة منح الجنسية بالولادة إلى أنها ركنٌ أساسيٌّ في الهوية الأمريكية، وجزءٌ من الروح الوطنية للبلاد، باعتبارها مكانًا مفتوحًا للجميع، بغض النظر عن الدين أو اللون أو المعتقد.
تجدر الإشارة إلى أنه من بين أكثر 20 دولةً تقدمًا في العالم، لا تمنح الجنسية تلقائيًا للأطفال المولودين داخل حدودها سوى كندا والولايات المتحدة.
وفي مذكرةٍ قُدّمت إلى المحكمة العليا، جادلت جماعةٌ مُدافعةٌ عن المهاجرين بأن "منح الجنسية بالولادة هو جوهر المبدأ الأساسي لأمتنا، وهو أن جميع المولودين على أرضنا متساوون، بغض النظر عن نسبهم".
إنهاء الجنسية بالولادة
قدّم المدعون العامون للولايات التي تطعن في هذه السياسة مذكرةً جادلوا فيها بأن المحكمة العليا قد حسمت هذه المسألة بالفعل في قضية الولايات المتحدة التاريخية ضد وونغ كيم آرك عام 1898، في تلك القضية، قضت المحكمة بأن رجلًا وُلد في سان فرانسيسكو لأبوين صينيين هو مواطن أمريكي.
حتى الآن، اتفقت المحاكم على هذا الرأي، وسارع القضاة في ولايات واشنطن وماساتشوستس وميريلاند إلى تعليق العمل بسياسة ترامب على مستوى البلاد.
وفي المرافعات الشفوية هذا الأسبوع، سينظر القضاة بشكل أساسي في سلطة القضاة الفيدراليين في إصدار أوامر إيقاف مؤقتة، المعروفة بالأوامر القضائية الوطنية، لكن مسألة حق المواطنة بالولادة ستشكل الخلفية لهذه المناقشات.
منشأ النظرية الهامشية
في مقابلة، أوضح إيستمان أنه كوّن آراءه حول حق المواطنة بالولادة بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001.
في ذلك الوقت، عمل إيستمان، الذي كان كاتبًا لدى القاضي كلارنس توماس، أستاذًا للقانون في جامعة تشابمان في مقاطعة أورانج بولاية كاليفورنيا، ومديرًا لمركز الفقه الدستوري في معهد كليرمونت.
في أواخر نوفمبر 2001، اعتقلت القوات الأمريكية في أفغانستان رجلًا يُدعى ياسر عصام حمدي، ونُقل إلى القاعدة العسكرية/ السجن الأمريكي في خليج غوانتانامو.
علم المسؤولون أن حمدي مواطن أمريكي، حيث أنجبته والدته السعودية أثناء إقامة العائلة في باتون روج بولاية لويزيانا، حيث كان والده يعمل مهندسًا كيميائيًا.
نظرًا لكون حمدي مواطنًا أمريكيًا، اعتقدت السلطات أنه لم يعد بإمكانها احتجازه كـ"مقاتل عدو" في خليج غوانتانامو، حيث كان يعتبر خارج نطاق الحماية القانونية الكاملة للمحاكم الفيدرالية، لذا، نُقل إلى سجن بحري في نورفولك بولاية فرجينيا.
وفي مذكرة قُدّمت كصديق للمحكمة عام 2004 في القضية المتعلقة بحمدي، جادل إيستمان بأن فكرة منح الجنسية تلقائيًا لجميع الأطفال المولودين على الأراضي الأمريكية هي "تفسير مقبول عمومًا، وإن كان خاطئًا"، للتعديل الرابع عشر، معتبرًا إياها "غير صحيحة، من حيث النص والممارسة التاريخية والنظرية السياسية".
واستند إيستمان في رأيه إلى عمل أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية كاليفورنيا، سان برناردينو، والمنتسب لمعهد كليرمونت، إدوارد ج. إيرلر، الذي طرح النظرية نفسها في كتب نُشرت عامي 1997 و2003.
جادل إيرلر، الذي لم يرد على طلب للتعليق، بأن أبناء المقيمين في البلاد بشكل غير قانوني أو مؤقت لا يُمنحون الجنسية تلقائيًا.
تاريخ التعديل الرابع عشر
على الرغم من أن فكرة منح الجنسية تلقائيًا للأطفال المولودين في الولايات المتحدة لها جذور راسخة في القانون العام، فإنها لم تُعتمد في نص الدستور حتى عام 1868، كجزء من التعديل الرابع عشر.
جاء ذلك في حكم ألغى قضية دريد سكوت، وهو قرار المحكمة العليا لعام 1857 الذي أكد على العبودية وأسهم في اندلاع الحرب الأهلية، ادعى إيستمان أن المشرعين لم يتفقوا في أي وقت خلال النقاش حول التعديل الرابع عشر على إدراج الزوار المؤقتين ضمن نطاق منح الجنسية.
ورفض القضاة هذا الرأي، معتبرين أن حماية الإجراءات القانونية الواجبة التي يوفرها الدستور تنطبق على حمدي، ومع ذلك، ولسنوات لاحقة، ناقش إيستمان ويو هذه القضية علنًا، حيث دافع إيستمان عن نظريته القائلة بأن حق المواطنة بالولادة غير وارد في الدستور، بينما جادل يو بأنه وارد.
وأشار يو إلى أن النقاش بدا دائمًا تجريديًا، وكان محل اهتمام الباحثين القانونيين في الغالب، وأضاف: "لم يسبق لفكرة تجريدية أن أحدثت مثل هذه التأثيرات السياسية الهائلة.. لقد قفزت من مقالات مراجعة القانون إلى البيت الأبيض".
وحدثت هذه القفزة عندما ترشح ترامب للرئاسة عام 2015، في مقابلة مع بيل أوريلي، المذيع في قناة فوكس نيوز، في أغسطس 2015، أوضح ترامب خططه لإصلاح نظام الهجرة.. بدا أوريلي متشككًا في البداية، ثم ازداد إحباطه.
إذا وُلدت هنا فأنت أمريكي
استشهد أوريلي بالتعديل الرابع عشر باعتباره عائقًا أمام خطة ترامب.. لكن ترامب ردّ قائلاً: "أعتقد أنك مخطئ بشأن التعديل الرابع عشر".
صرخ أوريلي تقريبًا قائلاً: "يمكنني اقتباسه، هل تريدني أن أقتبس لك التعديل؟ إذا وُلدت هنا، فأنت أمريكي، نقطة على السطر! نقطة على السطر!".
أجاب ترامب: "لكن هناك العديد من المحامين يقولون إن الأمر ليس كذلك".
قال إيستمان إن ترامب كان "على الأرجح" يشير إليه، ولكنه كان يشير أيضًا إلى أكاديميين آخرين نشروا حول هذه القضية، وأضاف أنه غير متأكد من كيفية وصول آرائه إلى المرشح الرئاسي.
مساعي لإنهاء الحق
لم يسعَ ترامب إلى خطة لإنهاء حق المواطنة بالولادة في ولايته الأولى، ذكر إيستمان أنه التقى في عام 2019 بالمدعي العام ويليام بار بدعوة منه لمناقشة أمر تنفيذي محتمل بشأن حق المواطنة بالولادة، لكن ذلك لم يسفر عن نتيجة، لم يرد بار على طلب للتعليق.
وأعرب إيستمان عن "سعادته البالغة" عندما أعلن ترامب نيته إنهاء حق المواطنة بالولادة في أول يوم له في منصبه، في ذلك الوقت، كانت تربط إيستمان وترامب علاقة وثيقة.
كان إيستمان أحد المشاركين الرئيسيين في خطة تهدف إلى إنشاء قوائم انتخابية مزيفة من الناخبين المؤيدين لترامب في الولايات التي فاز بها جو بايدن، وحث نائب الرئيس آنذاك مايك بنس على قبول تلك القوائم أثناء ترؤسه عملية التصديق على انتخابات 2020.
وأوصى قاضٍ في كاليفورنيا بشطب إيستمان من سجل المحامين بسبب هذه الحادثة، وأعلن أنه سيستأنف القرار، على الرغم من أن رخصة ممارسته للقانون في كاليفورنيا غير سارية حاليًا، نتيجة لذلك، يواجه أيضًا اتهامات جنائية قيد النظر ببطء في محكمة ولاية أريزونا.. (يبدو أنه من غير المرجح المضي قدمًا في قضية ضده ومتهمين آخرين في جورجيا).
وأوضح إيستمان أن الرئيس لم يستشره مباشرة بشأن أمر منح الجنسية بالولادة، لكن العديد من أصدقائه، الذين رفض الكشف عن أسمائهم، كانوا متورطين في الأمر، وأضاف: "كانوا يعلمون أن دراساتي كانت في طليعة هذا الأمر".
وقال أستاذ القانون بجامعة مينيسوتا ومؤلف كتاب عن التعديل الرابع عشر، إيلان وورمان، إن أمر ترامب أثار اهتمامًا جديدًا بدراسة أسس منح الجنسية بالولادة.
وأضاف وورمان: "يتمتع الرئيس ترامب بقدرة غريبة على تغيير نوافذ أوفرتون، قضايا ظنّ الناس أنها غير مطروحة، أصبحت مطروحة".
ويجادل وورمان بأن القراءة الدقيقة لقضية عام 1898 والسجل التاريخي يكشفان أن المحكمة العليا لم تُقرّ قط بأن الأطفال المولودين لأشخاص موجودين بشكل غير قانوني هم مواطنون.
وأدت سلسلة من مذكرات أصدقاء المحكمة إلى طرح بعض هذه الأفكار على القضاة، بما في ذلك مذكرة من إيستمان نفسه.
وفي مذكرة قُدّمت للقضاة في أواخر أبريل، جادل إيستمان بأنه على الرغم من موافقة القضاة على الاستماع فقط إلى الحجج المتعلقة بالتوقف الوطني لسياسة الرئيس، فإنه ينبغي عليهم أيضًا البت في جوهر القضية وإنهاء حق المواطنة بالولادة.
واختتم قائلاً: "هناك الكثير من الناس في البلاد ينتظرون حلاً لهذه القضية.. هل الأمر التنفيذي ساري المفعول أم لا؟ وكلما طال انتظارنا زاد القلق".